فصل: فِي السَّلَفِ الْفَاسِدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.كتاب السلم الثاني:

.(فِي الرَّجُلِ يُسْلِفُ فِي الطَّعَامِ سَلَفًا فَاسِدًا):

فِي الرَّجُلِ يُسْلِفُ فِي الطَّعَامِ سَلَفًا فَاسِدًا فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ تَمْرًا أَوْ طَعَامًا أَوْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ:
قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي حِنْطَةٍ سَلَمًا فَاسِدًا أَيَجُوزُ لِي أَنْ آخُذَ بِرَأْسِ مَالِي مِنْهُ تَمْرًا أَوْ طَعَامًا غَيْرَ الْحِنْطَةِ إذَا قَبَضْتُ ذَلِكَ وَلَمْ أُؤَخِّرْهُ؟
قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ السَّلَمَ كَانَ فَاسِدًا لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ فِي السَّلَمِ: إذَا كَانَ فَاسِدًا إنَّمَا لَهُ رَأْسُ مَالِهِ.
قُلْت: أَفَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ السَّلَمُ فَاسِدًا.
قَالَ وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ دَارًا لَهُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ حَيَاتَهُ فَكَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَقَالَ: إنْ وَقَعَ الشِّرَاءُ عَلَى هَذَا فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَاسْتَغَلَّهَا سِنِينَ كَانَتْ الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا وَتُرَدُّ الدَّارُ إلَى صَاحِبِهَا وَيَغْرَمُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ فَاتَتْ الدَّارُ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت السَّلَمَ الْفَاسِدَ فِي الطَّعَامِ أَيَجُوزُ لِي أَنْ آخُذَ بِرَأْسِ مَالِي طَعَامًا سِوَى ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي أَسْلَمْت فِيهِ أَيُعَجِّلُهُ وَلَا أُؤَخِّرُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَك عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت السَّلَمَ إذَا كَانَ فَاسِدًا فَأَخَذْت نِصْفَ رَأْسِ مَالِي وَحَطَطْت عَنْهُ مَا بَقِيَ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

.فِي التَّسْلِيفِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ أَوْ يُقَدِّمُ رَأْسَ الْمَالِ وَيُؤَخِّرُ بَعْضَهُ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت دَابَّةً أَوْ بَعِيرًا بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ وَلَمْ أَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا أَوْ ثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ وَلَمْ أَضْرِبْ لَهَا أَجَلًا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا اشْتَرَيْت بِهِ الْبَعِيرَ أَوْ الدَّابَّةَ عِنْدِي أَيَجُوزُ وَيَكُونُ شِرَائِي الْبَعِيرَ أَوْ الدَّابَّةَ مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ أَوْ يَكُونُ نَقْدًا؟
قَالَ: هَذَا بَيْعٌ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا إلَى غَيْرِ أَجَلٍ وَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي مِائَةِ إرْدَبِّ تَمْرٍ مِائَةَ دِينَارٍ خَمْسِينَ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ وَخَمْسِينَ أَجَّلَنِي بِهَا؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا وَيُنْتَقَضُ جَمِيعُ السَّلَمِ.
قُلْت: فَإِنْ سَلَّفْتُ فِي طَعَامٍ وَلَمْ أَضْرِبْ لِرَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ؟
قَالَ: هَذَا حَرَامٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّقْدِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت عَبْدًا إلَيَّ فِي كَذَا وَكَذَا كُرًّا مَنْ حِنْطَةٍ وَلَمْ أَذْكُرْ الْأَجَلَ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ إذَا كَانَ الطَّعَامُ مَضْمُونًا إذَا لَمْ يَضْرِبَا لِذَلِكَ أَجَلًا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدًا لَهُ فِي طَعَامٍ بِعَيْنِهِ يَقْبِضُهُ إلَى أَجَلٍ وَجَعَلَ الْأَجَلَ بَعِيدًا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: لِمَ لَا تُبْطِلُ الشَّرْطَ هَاهُنَا وَتُجِيزُ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَتَجْعَلُهُ كُلَّهُ حَالًّا لِأَنَّهُ قَدْ قَدَّمَ الْعَبْدَ فِي طَعَامٍ بِعَيْنِهِ؟
قَالَ: لَا لِأَنَّهُمَا قَدْ شَرَطَا الْأَجَلَ فَلَا يُبْطِلُ الْبَيْعُ الشَّرْطَ، وَلَكِنَّ الشَّرْطَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمَّا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ لَمْ يَصْلُحْ الْبَيْعُ مَعَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ مَعَ هَذَا الشَّرْطُ بَطَلَ الْبَيْعُ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا إلَى أَجَلِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؟
قَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا أَوْ طَعَامًا بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَضْمُونًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ الْأَجَلُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَلَّفَ فِي طَعَامٍ فَقَدَّمَ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ وَضَرَبَ لِبَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ أَجَلًا أَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ النَّقْدِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ كُلُّهُ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ لِأَنَّ عُقْدَةَ الْبَيْعِ وَاحِدَةٌ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ سَلَّفَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَفِ إلَيْهِ وَخَمْسُمِائَةٍ نَقْدًا نَقَدَهَا إيَّاهُ أَتَصْلُحُ حِصَّةُ النَّقْدِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ هَذَا السَّلَفُ لِأَنَّ بَعْضَهُ دَيْنٌ فِي دَيْنٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ كَانَتْ دَيْنًا فَسَلَّفَهُ إيَّاهَا فِي دَيْنٍ فَصَارَتْ دَيْنًا فِي دَيْنٍ فَلَمَّا بَطَلَ بَعْضُ الصَّفْقَةِ بَطَلَتْ كُلُّهَا، وَلَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ النَّقْدِ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُ الصَّفْقَةِ بَطَلَتْ كُلُّهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ بِعْت عَبْدًا لِي بِطَعَامٍ إلَى أَجَلِ سَنَةٍ أَوْ سَلَّفْته فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلِ سَنَةٍ ثُمَّ تَفَرَّقْنَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدُ مِنِّي إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ أَنَّهُ يَقْبِضُ الْعَبْدَ بَعْدَ شَهْرٍ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَلَمْ يُوَقِّتْ لَنَا مَالِكٌ فِي الشَّهْرِ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَلَكِنَّ رَأْيِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ الْعَبْدُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ هَرَبًا مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ تَأْخِيرًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ أَنْ يَنْفُذَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمَ إلَيَّ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ أَوْ حِنْطَةً بِعَيْنِهَا فِي عَبْدٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَ الْحِنْطَةَ أَوْ أَقْبِضَ الثَّوْبَ ثُمَّ قَبَضْتُهُ مِنْهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ قَبَضْته مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ؟
قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ مَالِكٌ وَلَا يُعْجِبُهُ.
قُلْت: أَتَرَاهُ مَفْسُوخًا إذَا تَرَكَهُ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ ثُمَّ قَبَضَهُ؟
قَالَ: إنْ كَانَا شَرَطَا ذَلِكَ فَذَلِكَ مَفْسُوخٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؟
قَالَ: أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهِيَةَ فِيهِ وَلَا أَحْفَظُ عَنْهُ الْفَسْخَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَنْ يُنَفَّذَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا.

.فِي السَّلَفِ الْفَاسِدِ:

قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ جَيِّدَةً وَلَا رَدِيئَةً؟
قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ إذَا سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ وَقَدْ نَقَدَ الثَّمَنَ وَضَرَبَ الْأَجَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ جَيِّدَةً وَلَا رَدِيئَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُفْسَخُ وَلَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَصِفَهَا بِجَوْدَتِهَا لِأَنَّ الطَّعَامَ يَخْتَلِفُ فِي الصِّفَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَفَ فِي طَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَنَقَدَهُ وَاشْتَرَطَ الطَّعَامَ الَّذِي سَلَّفَ فِيهِ بِمِكْيَالٍ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ بِقَصْعَةٍ أَوْ بِقَدَحٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى طَعَامًا بِقَدَحٍ أَوْ بِقَصْعَةٍ لَيْسَ بِمِكْيَالِ النَّاسِ رَأَيْت ذَلِكَ فَاسِدًا وَلَمْ أَرَهُ جَائِزًا، فَالسَّلَفُ فِيهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ أَوْ أَشَدُّ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا أَنْ يَتَبَايَعُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْقَدَحِ أَوْ الْقَصْعَةِ أَوْ الْمِكْيَالِ إذَا كَانَ الْمِكْيَالُ هَكَذَا بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِمِكْيَالِ السُّوقِ وَالنَّاسِ لِمَنْ يَشْتَرِي مِنْ الْأَعْرَابِ حَيْثُ لَا يَكُونُ ثَمَّ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ لِلنَّاسِ وَلَا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا فِي الْقُرَى فَيَشْتَرِي مِنْ الْأَعْرَابِ مِثْلَ الْعَلَفِ وَالتِّبْنِ وَالْخَبَطِ، وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: إنْ نَزَلَ لَمْ أَفْسَخْهُ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا يَجُوزُ لِلنَّاسِ أَنْ يَشْتَرِطُوا فِي تَسَلُّفِ الطَّعَامِ وَفِي الشِّرَاءِ بِالْمِكْيَالِ الَّذِي جَعَلَهُ الْوَالِي لِلنَّاسِ فِي الْأَسْوَاقِ وَهُوَ الْجَارِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ أَسْلَفَ وَيَوْمَ اشْتَرَى فَأَمَّا الرَّجُلُ يُسْلِفُ وَيَشْتَرِي وَيَشْتَرِطُ مِكْيَالًا قَدْ تُرِكَ وَأُقِيمَ لِلنَّاسِ غَيْرُهُ وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَلَا مِعْيَارَهُ مِنْ هَذَا الْمِكْيَالِ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَفْسُوخٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت رَجُلًا سَلَّفَ تِبْرًا جُزَافًا فِي سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ سَلَّفَ دَرَاهِمَ جُزَافًا قَدْ عَرَفَا عَدَدَهَا إلَّا أَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ وَزْنَهَا فِي سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَمَا فَرَّقَ بَيْنَ التِّبْرِ وَالدَّرَاهِمِ جُزَافًا؟
قَالَ: لِأَنَّ التِّبْرَ بِمَنْزِلَةِ السِّلْعَةِ وَالدَّرَاهِمُ لَيْسَتْ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إنَّمَا الدَّرَاهِمُ عَيْنٌ وَثَمَنٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ تُبَاعَ الدَّرَاهِمُ جُزَافًا، وَقَدْ يُبَاعُ التِّبْرُ الْمَكْسُورُ جُزَافًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْآنِيَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا، وَالْحُلِيُّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا، فَإِذَا كَانَ ذَهَبًا بَاعَهُ بِفِضَّةٍ وَبِجَمِيعِ السِّلَعِ وَإِذَا كَانَتْ فِضَّةً بَاعَهَا بِذَهَبٍ وَبِجَمِيعِ السِّلَعِ فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ إذَا أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ دَرَاهِمَ لَا يَعْلَمُ وَزْنَهَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَا يَعْلَمُ مَا وَزْنُهَا فَإِنَّمَا اعْتَزَيَا بِهَا وَجْهَ الْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمَ نُقَارَ فِضَّةٍ وَتِبْرًا مَكْسُورًا لَا يَعْلَمُ وَزْنَهُ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ سِلْعَةٍ مِنْ السِّلَعِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ دَرَاهِمَ قَدْ عَرَفَ مَا وَزْنُهَا وَدَنَانِيرَ لَا يَعْرِفُ وَزْنَهَا أَسْلَمَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مِنْ أَسْلَمَ دَنَانِيرَ فِي حِنْطَةٍ لَا يَعْرِفُ وَزْنَهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.
قُلْت: فَهَلْ تَجُوزُ حِصَّةُ الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَدْ عَرَفَ وَزْنَهَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ حِصَّتُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّهُمَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَتْ كُلَّهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت هَذَا الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ وَزْنُهُ إذَا أَنْتَ فَسَخْت مَا بَيْنَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ الَّذِي يَرُدُّ الدَّنَانِيرَ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ يَدْفَعْ إلَيَّ إلَّا هَذَا وَالْآخَرُ مُدَّعٍ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَحْلِفَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَأَخَذَ مَا ادَّعَى.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ فِي حِنْطَةٍ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهَا إيَّاهُ بِمِصْرَ أَيَكُونُ هَذَا فَاسِدًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُسَمِّ أَيَّ الْمَوَاضِعِ مِنْ مِصْرَ يَدْفَعُ إلَيْهِ ذَلِكَ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ مِصْرًا مَا بَيْنَ الْبَحْرِ إلَى أُسْوَانَ.

.الْقَضَاءُ فِي التَّسْلِيفِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي حِنْطَةٍ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَنِي بِالْفُسْطَاطِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ: أُوفِيك بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ السَّلَمُ: لَا بَلْ بِنَاحِيَةٍ أُخْرَى سَمَّاهَا؟
قَالَ: قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوَفِّيهِ ذَلِكَ فِي سُوقِ الطَّعَامِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ السِّلَعِ إذَا كَانَتْ لَهَا أَسْوَاقٌ فَاخْتَلَفَا فَإِنَّمَا يُوَفِّيهِ ذَلِكَ فِي أَسْوَاقِهَا.
قُلْت: فَمَا لَيْسَ لَهُ سُوقٌ فَاخْتَلَفَا أَيْنَ يُوَفِّيهِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَأَرَاهُ إذَا أَعْطَاهُ بِالْفُسْطَاطِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ سُوقٌ فَحَيْثُمَا أَعْطَاهُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ: هَذِهِ مِائَةُ إرْدَبٍّ قَدْ كِلْتهَا فَخُذْهَا فَأَرَدْت أَنْ آخُذَهَا وَلَا أَكِيلُ وَأُصَدِّقَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى مِائَةَ إرْدَبٍّ مِنْ حِنْطَةٍ فَكَالَهَا الْبَائِعُ فَأَخْبَرَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ قَدْ كَالَهَا فَأَرَادَ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَأْخُذَهَا بِكَيْلِ الْبَائِعِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: فَإِنْ كَالَهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَصَابَهَا تَنَقُّصٌ مِنْ الْكَيْلِ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ الْبَائِعُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ حِينَ قَبَضَ الْقَمْحَ مِنْ الْبَائِعِ فَكَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانِ الْكَيْلِ، وَإِنْ كَانَ غَابَ عَلَيْهِ لَمْ يَصَدَّقْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَبَضَهُ نَاقِصًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْبَائِعُ أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ جَمِيعَ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْكَيْلِ إنْ كَانَ كَالَهُ هُوَ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا جَاءَهُ بِالطَّعَامِ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ بِكَيْلِهِ فَبَاعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ أُحْلِفَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَاعَهُ عَلَى مَا قِيلَ لَهُ مِنْ كَيْلِهِ حِينَ جَاءَهُ أَوْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ، وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُبْتَاعِ فَحَلَفَ وَأَخَذَ النُّقْصَانَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَلَا حَقَّ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ مُدْيًا مَنْ قَمْحٍ مِنْ سَلَمٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ.
قُلْت لَهُ: كِلْهُ لِي فِي غَرَائِرِكَ أَوْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِكَ أَوْ دَفَعْت إلَيْهِ غَرَائِرِي فَقُلْت لَهُ: كِلْهُ لِي فِي هَذِهِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ ثُمَّ ضَاعَ الطَّعَامُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيَّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَمَّا أَنَا فَأَرَى إذَا كَانَ قَدْ اكْتَالَهُ بِبَيِّنَةٍ فَضَاعَ بَعْدَمَا اكْتَالَهُ كَمَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ كَالَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلطَّعَامِ كَمَا هُوَ وَلَا يَصَدَّقُ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ، فَإِنْ صَدَّقْتَهُ أَنَّهُ قَدْ كَالَهُ وَقَالَ هُوَ: قَدْ ضَاعَ وَكَذَّبْتَهُ أَنْتَ فِي الضَّيَاعِ، فَالْقَوْلُ فِي الضَّيَاعِ قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّك لِمَا صَدَّقْته أَنَّهُ قَدْ كَالَهُ كَمَا أَمَرْتَهُ فَقَدْ صِرْت قَابِضًا لِمَا قَدْ كَالَهُ لَك، فَإِنْ ضَاعَ فَلَا شَيْءَ لَك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَاعَ بَعْدَ قَبْضِكَ.
قُلْت: أَتَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.

.فِي الرَّجُلِ يُسْلِفُ بِبَلَدٍ وَيَشْتَرِطُ أَنْ يَقْضِيَ بِآخَرَ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ وَشَرَطْت عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَنِي ذَلِكَ بِبَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ: لِي خُذْ الطَّعَامَ مِنِّي بِبَلَدٍ أُخْرَى وَخُذْ مِنِّي الْكِرَاءَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي شَرَطْت لَك أَنْ أَقْضِيَكَهُ فِيهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبُلْدَانَ بِمَنْزِلَةِ الْآجَالِ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَدَّمَ الطَّعَامَ الَّذِي عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، وَالْآجَالُ وَالْبُلْدَانُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ يَدْفَعُهُ إلَيَّ بِالْفُسْطَاطِ فَقَالَ: خُذْهُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَخُذْ الْكِرَاءَ فَفَعَلْت فَاسْتَهْلَكْت الطَّعَامَ وَالْكِرَاءَ كَيْفَ يُصْنَعُ بِمَا اسْتَهْلَكْت؟
قَالَ: تَرُدُّ مِثْلَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ مِثْلَ الطَّعَامِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَتَرُدُّ الْكِرَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَأْخُذُ طَعَامَك الَّذِي أَسْلَمْت فِيهِ حَيْثُ شَرَطْت، وَقَدْ فَسَّرْت لَك لِمَ كَرِهَهُ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ فِي مِائَةِ إرْدَبِّ قَمْحٍ إلَى رَجُلٍ يُوَفِّيهَا إيَّاهُ بِالْفُسْطَاطِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ حُمْلَانَهَا إلَى الْقُلْزُمِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ بَيَّنْت لَك أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ قَبْلَ هَذَا حِينَ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِالرَّبْذَةِ.

.فِي الرَّجُلِ يُسْلِفُ فِي الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ فَقُضِيَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ:

قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمَ إلَيَّ رَجُلٌ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَأَتَيْتُهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أَيُجْبَرُ الَّذِي لَهُ الطَّعَامُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ مِنِّي فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرْضًا إلَى أَجَلٍ فَأَتَيْته بِهِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أَيُجْبَرُ الَّذِي لَهُ الطَّعَامُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.الدَّعْوَى فِي السَّلَفِ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ فَاخْتَلَفْنَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا اخْتَلَفَا فِي عَدَدِ الْكَيْلِ وَاتَّفَقَا أَنَّ السَّلَمَ كَانَ فِي حِنْطَةٍ مَضْمُونَةٍ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك ثَلَاثَةَ أَرَادِب بِدِينَارٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ اشْتَرَيْت مِنْك أَرْبَعَةَ أَرَادِب بِدِينَارٍ وَذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إذَا جَاءَ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ الْحَقِّ وَالْقَوْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَا يُشْبِهُ مُبَايَعَةَ النَّاسِ، وَالْمُشْتَرِي مُدَّعٍ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ: أَسْلَفْتُكَ فِي قَمْحٍ وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ أَسْلَفْتنِي فِي شَعِيرٍ أَوْ قَالَ: أَسْلَفْتُك فِي حِمَارٍ، وَقَالَ الْآخِرُ: بَلْ أَسْلَفْتنِي فِي بَغْلٍ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا الثَّمَنَ قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ يَجْعَلُهُ مِثْلَ النَّوْعِ إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ: فِي الْحِنْطَةِ إنْ كَانَ مَا تَقَارَّا بِهِ مِنْ دَابَّةٍ اتَّفَقَا عَلَيْهَا أَنَّ السَّلَمَ كَانَ فِيهَا مِثْلُ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ عَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ اتَّفَقَا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَيُحَلَّفُ الْبَائِعُ، وَالْمُبْتَاعُ مُدَّعٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي السِّلْعَتَيْنِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَرُدَّ إلَى الْمُشْتَرِي رَأْسُ مَالِهِ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا وَأَنَا عِنْدَهُ قَاعِدٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ حَائِطًا لَهُ وَاشْتَرَطَ فِيهِ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّمَا اشْتَرَطَ عَلَيَّ نَخَلَاتٍ أَرَانِي إيَّاهُنَّ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ اشْتَرَطْتُ عَلَيْكَ الْخِيَارَ وَلَمْ أُرِهِ نَخَلَاتٍ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَتَحَالَفَا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ غَيْرَ مَرَّةٍ فَالرَّجُلُ يَبِيعُ مَنْ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ عَلَى النَّقْدِ فَيَنْقَلِبُ بِهَا الْمُشْتَرِي إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهَا وَيَأْمَنْهُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا وَذَلِكَ فِي الْعُرُوضِ كُلِّهَا فَيَأْتِيهِ الْبَائِعُ فَيَقْتَضِيهِ الثَّمَنَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ إيَّاهَا بِكَذَا وَكَذَا، وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ: بَلْ ابْتَعْتَهَا بِكَذَا وَكَذَا وَقَدْ انْقَلَبَ بِهَا وَأْتَمَنَهُ عَلَيْهَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَا جَمِيعًا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَفُوتَ فِي يَدَيْ الْمُبْتَاعِ بِبَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ نَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ اخْتِلَافٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ، فَإِنْ فَاتَتْ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ اخْتِلَافٍ مِنْ أَسْوَاقٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ الثَّمَنَ، وَإِنْ لَمْ تَفُتْ وَكَانَتْ عَلَى حَالِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا، وَيَفْسَخُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا إذَا تَحَالَفَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُفْسَخْ بِحُكْمٍ.

.(فِي الْمُبْتَاعَيْنِ يَدَّعِي أَحَدُهُمَا حَلَالًا وَالْآخَرُ حَرَامًا):

فِي الْمُبْتَاعَيْنِ يَدَّعِي أَحَدُهُمَا حَلَالًا وَالْآخَرُ حَرَامًا أَوْ يَأْتِي أَحَدُهُمَا بِمَا لَا يُشْبِهُ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا اشْتَرَيْت فَانْقَلَبْت بِهِ مِنْ جَمِيعِ السِّلَعِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مَنْ كُلِّ مَا يَبْتَاعُ النَّاسُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَبِنْت بِهِ وَزَعَمْت أَنِّي قَدْ دَفَعْت الثَّمَنَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ يَدْفَعْ إلَيَّ الثَّمَنَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْبُيُوعِ مِمَّا يَتَبَايَعُهُ النَّاسُ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَادِ شِبْهَ صَرْفٍ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ كُلِّهَا وَمِمَّا يَبْتَاعُ النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ مِمَّا يُشْبِهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِثْلُ الصَّرْفِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَمَا كَانَ مِثْلَ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْبُزُورِ وَالرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي الثَّمَنِ قَوْلُ الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ فَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ قَبْضُهُ إيَّاهُ وَبَيْنُونَتُهُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إذَا أَسْلَمْت فِي سِلْعَةٍ مِنْ السِّلَعِ فَادَّعَيْت أَنَّ الْأَجَلَ قَدْ حَلَّ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ: لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَلَمْ يَدَّعِ مَا لَا يُشْبِهُ مِنْ آجَالِ السَّلَمِ.
قُلْت: فَإِنْ أَتَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِمَا لَا يُشْبِهُ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّ الْقَوْلَ إذَا كَانَ هَكَذَا قَوْلُ الْمُبْتَاعِ الَّذِي لَهُ السَّلَمُ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَيُبِينُ بِهَا الْمُشْتَرِي وَتَفُوتُ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكهَا إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ: بَلْ اشْتَرَيْتهَا مِنْك إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا لِأَبْعَدَ مِنْهُ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ عِنْدِي إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فَقُلْت: إنِّي ضَرَبْت لِلسَّلَمِ أَجَلَ شَهْرَيْنِ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: لَمْ تَضْرِبْ لِلسَّلَمِ أَجَلًا يُرِيدُ فَسَادَهُ، أَوْ قَالَ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ: لَمْ يَضْرِبْ لِلسَّلَمِ أَجَلًا، وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ: قَدْ ضَرَبْنَا لِلسَّلَمِ أَجَلًا؟
قَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْحَلَالَ مِنْهُمَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ وَالْحَرَامَ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أُحْلِفَ الَّذِي يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَنَاقَدَا السَّلَمَ وَاخْتَلَفَا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي مِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ: لَمْ أَقْبِضْ رَأْسَ الْمَالِ مِنْك إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ قَالَ كُنَّا شَرَطْنَا أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إنَّمَا تَدْفَعُهُ إلَيَّ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ وَقَالَ الَّذِي لَهُ السَّلَمُ: بَلْ نَقَدْتُك عِنْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ مِنْهُمَا.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ مَنْ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَسْلَمْت إلَيَّ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ لِثَوْبَيْنِ غَيْرِ الثَّوْبِ الْأَوَّلِ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ مَنْ حِنْطَةٍ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ؟
قَالَ: تَصِيرُ لَهُ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ فِي مِائَتَيْ إرْدَبٍّ مِنْ حِنْطَةٍ لِأَنَّ بَيِّنَةَ هَذَا شَهِدَتْ عَلَى سَلَمٍ غَيْرِ مَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةُ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْآخَرُ.
قُلْت: فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جَمِيعًا أَقَامَ هَذَا عَلَى أَنِّي أَسْلَمْت إلَيْهِ هَذَا الْعَبْدَ فِي مِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَسْلَمْت إلَيَّ هَذَا الْعَبْدَ وَهَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ: هَذَا يَكُونُ سَلَمًا وَاحِدًا وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِائَةُ إرْدَبٍّ مِنْ حِنْطَةٍ بِالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ جَمِيعًا لِأَنَّ بَيِّنَةَ الَّذِي شَهِدَتْ بِالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ جَمِيعًا شَهِدَتْ بِالْأَكْثَرِ، فَكَانَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى خَمْسِينَ وَشَاهِدًا عَلَى مِائَةٍ قَالَ: يَحْلِفُ مَعَ شَهَادَةِ الَّذِي شَهِدَ بِالْمِائَةِ كُلِّهَا وَيَأْخُذُ الْمِائَةَ كُلَّهَا.
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا.
قُلْت: فَلَوْ أَنِّي أَقَمْتُ الْبَيِّنَةَ أَنِّي أَسْلَمْتُ هَذَا الثَّوْبَ إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي مِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ وَأَقَامَ هُوَ الْبَيِّنَةَ أَنِّي أَسْلَمْتُ إلَيْهِ ذَلِكَ الثَّوْبَ وَعَبْدِي فِي مِائَةِ إرْدَبِّ شَعِيرٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَفَاسَخَا وَيَتَرَادَّا إذَا تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا تَكَافَأَتْ فِي أَمْرٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَكَافَأَ الشُّهُودُ كَانَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اخْتَلَفَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَرَبُّ السَّلَمِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَا قَبْضَ الطَّعَامِ فِيهِ فَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: إنَّمَا قَبَضْتُ مِنْك دَرَاهِمَك عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ الطَّعَامَ بِالْفُسْطَاطِ وَقَالَ الَّذِي لَهُ السَّلَمُ إنَّمَا دَفَعْتُ إلَيْك عَلَى أَنْ أَقْبِضَ مِنْك بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ دَفْعُ دَرَاهِمِهِ بِالْفُسْطَاطِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اخْتَلَفَا هَكَذَا نُظِرَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهِ الدَّرَاهِمَ فَيَكُون عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الطَّعَامَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْ كَانَ أَسْلَمَ إلَيْهِ بِالْفُسْطَاطِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِالْفُسْطَاطِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَسْلَمَ إلَيْهِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَرَأَى إذَا اخْتَلَفَا فِي الْبُلْدَانِ فَادَّعَى الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ غَيْرَ الْمَوْضِعِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ فِيهِ الدَّرَاهِمَ وَادَّعَى الَّذِي لَهُ السَّلَمُ غَيْرَ الْمَوْضِعِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ فِيهِ الدَّرَاهِمَ أَيْضًا وَتَصَادَقَا أَنَّ السَّلَمَ إنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا وَلَيْسَ يَدَّعِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ الدَّفْعَ أَوْ الْقَبْضَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ السَّلَمُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، لِأَنَّ الْمَوَاضِعَ بِمَنْزِلَةِ الْآجَالِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ الْمَوَاضِعُ حَتَّى لَا يُشْبِهَ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَبْضِ السِّلْعَةِ أَوْ قَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّفْعِ فِيهِ احْلِفَا وَفُسِخَ مَا بَيْنَهُمَا.

.الدَّعْوَى فِي التَّسْلِيفِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اخْتَلَفْت أَنَا وَاَلَّذِي أَسْلَمْت إلَيْهِ فَقُلْت لَهُ: أَسْلَمْت إلَيْك عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي مِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ: بَلْ أَسْلَمْت إلَيَّ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي خَمْسِينَ إرْدَبًّا حِنْطَةً.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَقُولُ: إنْ كَانَ لَا يُشْبِهُ مَا قَالَ الْبَائِعُ مِنْ سَلَمِ النَّاسِ نُظِرَ إلَيْهِ مَا قَالَ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ يُشْبِهُ سَلَمَ النَّاسِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَضُ هَذَا إذَا قَالَ: أَسْلَمْت فِي خَمْسِينَ إرْدَبًّا مِنْ شَعِيرٍ وَقَالَ صَاحِبُهُ: بَلْ أَسْلَمْتُ إلَيْك فِي خَمْسِينَ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ أَوْ قِطْنِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَنْوَاعُ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَاخْتَلَفَا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ نُظِرَ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَا قَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَلَمَ النَّاسِ يَوْمَ أَسْلَمَ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَلَمَ النَّاسِ يَوْمَ أَسْلَمَ إلَيْهِ وَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَلَيْسَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْكَيْلِ إذَا تَصَادَقَا فِي النَّوْعِ الَّذِي أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْأَنْوَاعِ، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْكَيْلِ إذَا تَصَادَقَا فِي النَّوْعِ الَّذِي أَسْلَمَ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا جَارِيَةً مِنْ صَاحِبِهِ فَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ يَأْتِي بِمَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ اشْتَرَاهَا فَإِذَا أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ اشْتَرَاهَا بِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ بَاعَهَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْبَائِعُ بِمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ بَاعَهَا كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَتُهَا يَوْمَ اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَتَيَا جَمِيعًا بِمَا لَا يُشْبِهُ كَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَقَالَ: فِي الْكَيْلِ إذَا تَصَادَقَا فِي النَّوْعِ الَّذِي أُسْلِمَ إلَيْهِ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَا يُشْبِهُ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمَا فِي السَّلَمِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَنْوَاعِ فَقَالَ الْبَائِعُ أَسْلَمْتَ إلَيَّ فِي حِنْطَةٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ أَسْلَمْتُ إلَيْك فِي قُطْنِيَّةً بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ بَائِعِ الْجَارِيَةِ: بِعْتُهَا مِنْكَ بِمِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ، وَقَالَ مُشْتَرِيهَا: اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِمِائَةِ إرْدَبِّ عَدَسٍ فَهَذَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَإِنْ فَاتَتْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي فِي الدَّنَانِيرِ إذَا رُفِعْت سَلَمًا فَقَالَ: أَحَدُهُمَا فِي حِمَّصٍ، وَقَالَ الْآخَرُ فِي عَدَسٍ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَقَدْ أَسْلَمُهُ إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الثَّمَنَ فَلَمَّا رَدَّ مَالِكٌ الثَّمَنَ وَفَسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فَوَاتُ الزَّمَانِ عِنْدَهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْبَائِعِ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَجُعِلَتْ الْقِيمَةُ كَأَنَّهَا ذَهَبٌ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ عَوِرَتْ أَوْ نَقَصَتْ كَانَ ضَامِنًا لَهَا فَلَهُ نَمَاؤُهَا وَعَلَيْهِ نُقْصَانُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَسْلَمْت ثَوْبًا فِي حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ كَانَ الْأَجَلُ قَرِيبًا وَلَمْ تَحِلَّ أَسْوَاقُ الثَّوْبِ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ اخْتَلَفْنَا فِي الْكَيْلِ فَقُلْت: أَنَا أَسْلَمْتُ إلَيْك الثَّوْبَ فِي ثَلَاثِينَ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: بَلْ أَسْلَمْتَ إلَيَّ فِي عِشْرِينَ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ وَالثَّوْبُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ أَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَفُتْ بِتَغَيُّرِ أَسْوَاقٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا لَمْ يَفُتْ بِتَغَيُّرِ أَسْوَاقٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا بِنَمَاءٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فَكُلُّ أَجَلٍ قَرِيبٌ بَاعَا إلَيْهِ وَتَنَاكَرَا فِيهِ، وَإِنْ بَعُدَ الْأَجَلُ وَقَبَضَ السِّلْعَةَ وَلَمْ يَفُتْ بِنَمَاءٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا بِتَغَيُّرِ أَسْوَاقٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ إذَا ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا وَرَضِيَ بِالْأَجَلِ وَزَادَ فِي الثَّمَنِ فَهُوَ نَدِمَ إذَا غَابَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ مَالِكًا قَدْ قَالَ لِي غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا عَامٍ: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ إذَا قَبَضَهَا وَغَابَ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَفُتْ بِتَغَيُّرٍ كَمَا وَصَفْتُ لَك، وَلَمْ يُجْعَلْ الْبَيْعُ إذَا قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ وَغَابَ عَلَيْهَا نَدَمًا مِنْ الْبَائِعِ، فَلَوْ كَانَ يَكُونُ إذَا بَاعَهَا إلَى أَجَلٍ فَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ نَدَمًا مِنْ الْبَائِعِ وَيُجْعَلُ فِيهِ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لَكَانَ بَيْعَ النَّقْدِ إذَا غَابَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي وَقَبَضَهَا نَدَمًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يَقُلْ لِي مَالِكٌ بِدَيْنٍ وَلَا بِنَقْدٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ لِي غَيْرَ مَرَّةٍ: إذَا لَمْ تَفُتْ بِنَمَاءٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا بِعَتَاقَةٍ وَلَا بِهِبَةٍ وَلَا بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَيَتَرَادَّانِ، وَلَمْ يَقُلْ لِي مَالِكٌ بِنَقْدٍ وَلَا إلَى أَجَلٍ وَهُمَا فِي الْقِيَاسِ وَاحِدٌ قَالَ: وَأَصْلُ هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى السِّلْعَةِ مَا كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدَيْ الْمُبْتَاعِ فَصَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَالدَّيْنُ الَّذِي صَارَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ السَّلَمِ عَلَى الرَّجُلِ أَحْمَلَهَا مَحْمَلًا وَاحِدًا يَجُوزُ لِلَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِنْ الْقَوْلِ مَا يَجُوزُ لِهَذَا الَّذِي فَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ دَيْنًا وَالسَّلَمُ دَيْنٌ فَمَحْمَلُهَا مَحْمَلٌ وَاحِدٌ إذَا تَصَادَقَا فِي السِّلْعَةِ الَّتِي فَاتَتْ وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهَا أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْكَيْلِ فِي السَّلَمِ إذَا تَصَادَقَا فِي النَّوْعِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ فَاحْمِلْهَا مَحْمَلًا وَاحِدًا.